الحب و الأستغلال!
استوقفتني هذه الفقرة في مقال حلاو دفعتني للتفكير في الكثير:
تنظر لأحد أصدقائك و تقول في نفسك " لماذا يحبها لهذه الدرجة ، ألا يرى كم تستغله ؟ لماذا يقبل بذلك ؟! و كيف يترك نفسه ليصل معها إلى هنا ؟!"
و لا تتخيل أن هذا الشيء العادي ممكن أن يحصل لك فتصل إلى هنا و تغمض عينيك عن استغلال أكبر لأنك لا تريد أن تراه و لأنك فقط تحبها و لا تريد التفكير في شيء آخر "!
الحب و الأستغلال هل حقاً يجتمعان؟
في قصص الحب الخيالية و في احلام الفتيات البريئة و ربما احلام الفتيان أيضاً كان الحب دائماً كلمة السر التي تفتح لها جميع الأبواب، و التي تدفع كلا من الطرفين لفعل المستحيل لإرضاء حبيبه و لإغوائه ربما للوقوع في حبه. في كثير من الأحيان أتساءل بيني و بين نفسي هل تغير الحب؟ ام ترانا نحن من تغيرنا و لم نعد قادرين على ان نحب حقاً بكل جوارحنا و على ان نعطي دون ان نطلب المقابل او على الأقل نتوقعه من الطرف الآخر...ما زالت كل فتاة مهما بلغت من العمر او العلم تنتظر ذلك الفارس المغوار الذي سيأتي على حصانه الأبيض و الذي قد يحارب كل العالم لأجل عينيها فقط او الشاب الذي سيحبها حد الجنون كما في أغاني كاظم...و لكن هل هذا الفارس موجودٌ حقاً في زماننا هذا؟ و هل كلمات الأغاني تتعدى كونها مجرد كلمات؟
كان الحب دائماً مرتبطا بالعطاء اللامحدود و اللامشروط، فالأم التي تربي و تحتمل الأذى الذي قد يسببه أطفالها و لو عن غير قصد، و التي تسهر الليالي على راحتهم، و الأب الذي يكد و يتعب ليوفر لأولاده ما يحتاجونه، و الصديق الذي قد يدفع عمره ليساعد صديقه كلها امثلة لحب غير مشروط نعطي فيه كل ما نملك دون ان ننتظر مقابل إلا سعادتنا بأن نرى الإبتسامة على وجوه من نحب و أن نراقبهم يسيرون في هذه الحياة نحو الأفضل.
فلماذا عندما يتعلق الأمر بمن نشاركهم أعمارنا و حياتنا و أحلامنا تدخل إلى مفهوم الحب كلمات كالإستغلال و الأنانية؟ لماذا يفقد الحب فجأة قدرته الهائلة على العطاء و يتحول إلى علاقة تجارية تعطي بقدر ما تأخذ لا أكثر و لا أقل؟ أنا لا أقترح هنا أن يكون العطاء مقتصراً على أحد الأطراف في العلاقة دون الآخر، فعلاقة كهذه لن يكتب لها النجاح و لو أستمرت فسيكون طرفيها غير سعيدين. و لكن علينا أن نعلم أيضاً أن مفهوم العطاء مختلف من شخص لآخر، إذا كان عطاء شخص ما غير كافي فهذا لا يعني بالضرورة أنه لا يحاول جهده و لا يعني أيضاً أنه يستغل الطرف الآخر، ربما هو فقط لا يفهم احتياجات الطرف الآخر.
تحضرني هنا معلومات كنت قد قرأتها في كتاب لجون غراي، توضح كيف أن المرأة تحتاج للتحدث عن مشكلاتها حتى تتخلص منها عندما تكون منزعجة، و أنها في هذه الحالة ستشعر بمنتهى الحب لو استمع زوجها اليها فقط دون ان يجيب تساؤلاتها أو يناقشها فيما تقول، يكفيها أن يسمعها و يوميء برأسه و يظهر لها تعاطفه الصادق لتشعر أنه يحبها و يهتم بها. في حين أن الزوج يشعر بالملامة و عدم رضا الزوجة أو تقديرها لما يقدمه لها و بالتالي عدم حبها له في حال بدأت الزوجة بالتحدث عن مشكلاتها، فتكون ردة فعله الطبيعية نفي كل كلامها و مناقشتها فيما تقول ليثبت لها انه يحبها و يهتم لأمرها مما يزيد الأمر تعقيداً و يشعرها أنه لا يفهمها، و هكذا ينتهي الزوجين بخلاف عادة و كل منهما يظن أن الآخر لا يحبه أو لا يقدر عطاءه.
يمكن لهذين الزوجين تجاوز هذه المشكلة ببساطة لو أن الرجل تعلم الاستماع الى زوجته دون الشعور بالملامة و لو أن الزوجة تعلمت كيف تختار الوقت المناسب للحديث عن مشاعرها، و كيف تتحدث بأسلوب لا يتهم الزوج أو يشعره بالملامة أو التقصير.
لقد ضربت هذا المثل لأوضح أنه لا استغلال في الحب، هنالك فقط حاجات مختلفة و عطاء غير مفهوم، و أنا شخصياً أعتقد أن على كل طرف أن يعطي أقصى ما يستطيع لمن يحب دون تقييد أو لوم و دون انتظار لمقابل، فالحب وجد ليثري حياتنا و ليعلمنا العطاء، لا لنستغل الآخرين أو لنزيد هموم حياتنا في انتظار المقابل.